الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***
اعلم أن الفعل الثلاثي مجرد، وزائد على الثلاثة. فالثلاثي المجرد له ثلاثة أبنية: فَعَل وهو متعد نحو ضَرَبَ، ولازم نحو قَعَدَ، وفَعِل وهو متعد نحو فَهِم ولازم نحو فَرِح، وفَعُل وهو لازم أبدا إلا بتضمين أو تحويل نحو سَهُل. وأبنية مصادر الثلاثي كثيرة، واقتصر هنا على الغالب, فقال: فَعْل قياس مصدر المعدى... من ذي ثلاثة كرد ردا شمل "قوله": "المعدى من ذي ثلاثة" فعَل وفعِل, فقياس مصدرهما فعل -بفتح الفاء وإسكان العين- نحو: ضرَب ضرْبا وفهم فهما، وظاهره أنه مقيس فيهما بلا قيد، وقيد الفعل -المكسور العين- في التسهيل بأن يُفْهِم عملا بالفم نحو: شَرِب شَرْبا, ولقم لقما. ولم يقيده سيبويه أو الأخفش, بل أطلقا. "تنبيه": اختلف في معنى القياس هنا، فقيل: إنما يقاس على فعل فيما ذكر عند عدم سماع غيره، فإن سمع غيره وقف عنده، وهو مذهب سيبويه والأخفش، وقيل: يجوز القياس مع ورود السماع بغيره وهو ظاهر قول الفراء. ثم قال: وفَعِل اللازم بابه فَعَل يعني: قياس مصدر فعل اللازم فعل -بفتح الفاء وكسر العين- لا فرق في ذلك بين الصحيح نحو فرح فرحا، والمعتل نحو: جوي جوى، والمضعف نحو: شل شللا، فإن أصله شلل بكسر اللام. تنبيه: أطلق الناظم في فعل اللازم، وينبغي أن يقيد بألا يكون لونا؛ لأن فُعلة هو الغالب فيه كالشُّهلة والسمرة. ثم قال: وفَعَلَ اللازم مثل قعدا... له فُعُول باطراد كغدا تقول: غدا غُدوا ومثله: قعد قعودا وجلس جلوسا، واطراد فعول في فعل اللازم مشروط بألا يكون مستوجبا لأحد الأوزان المذكورة في قوله: ما لم يكن مستوجبا فِعَالا... أو فَعَلانا فادر أو فُعَالا فهذه ثلاثة أوزان، وسنذكر رابعا متى استوجب فعل اللازم واحدا منها لم يأت مصدره على فعول إلا نادرا. ثم قال: فأول لذي امتناع كأبى الأول فعال -بكسر الفاء- وهو مقيس فيما دل على امتناع نحو: أبى إباء, ونفر نفارا. ................... والثان للذي اقتضى تقلبا والثاني هو فعلان -بتحريك العين- وهو مقيس فيما دل على تقلب نحو: جال جولانا, ولمع لمعانا. وقوله: للدا فُعَال أو لصوت يعني: أن فعالا -بضم الفاء- وهو الثالث لنوعين: أحدهما: ما دل على داء نحو: زَكم زُكاما وسعل سعالا. والآخر: ما دل على صوت نحو: نَعق نُعاقا ونبح نباحا. وذكر ابن عصفور أنه مقيس فيهما. وقوله: ........... وشمل... سيرا وصوتا الفعيل كصهل يعني: أن فعيلا، وهو الوزن الرابع، لنوعين أيضا: أحدهما: ما دل على سير نحو: ذَمَل ذميلا ورَحَل رحيلا. والآخر: ما دل على صوت نحو: صَهَل صهيلا ونَهَق نهيقا. وذكر ابن عصفور أنه يطرد في الأصوات. والحاصل أن فعل اللازم يطرد في مصدره فعول إلا إذا دل على هذه المعاني الخمسة "وهي" الامتناع والتقلب والداء والصوت والسير، فالغالب في الامتناع فِعال، وفي التقلب فَعَلان، وفي الداء فُعال، وفي الصوت فُعال أو فَعِيل، وقد يجتمعان نحو: نَعَقَ نُعاقا ونَعِيقا، وقد تنفرد فُعال نحو: بَغَم بُغَاما، وقد تنفرد فعيل نحو صهل صهيلا، واطرد انفراد فُعال "في الفعل اللازم" نحو: رغاء وفي السير فعيل. تنبيه: يستثنى أيضا من فعل اللازم ما دل على حرفة وشبهها، فإن الغالب في مصدره فِعَالة نحو: تجر تجارة، وأمر إمارة. وذكر ابن عصفور أنه مقيس في الولايات والصنائع. وقوله: فُعُولة فَعَالة لفعُلا... كسَهُل الأمر وزيد جَزُلا فعولة وفعالة مطردان في مصدر فعل نحو: سهل سهولة, وجزل جزالة. وقال بعضهم: فعولة غير مقيس. وقوله: وما أتى مخالفا لما مضى... فبابه النقل كسُخْط ورضا فسخط مصدر سخط وقياسه سخط -بالفتح والتحريك- ورضا مصدر رضي وقياسه رضى بالفتح. وكلامه مقيد في فعالة بالحرف, وشبهها كما تقدم. ولما فرغ من بيان مصادر الثلاثي, شرع في بيان ما زاد عليه فقال: وغير ذي ثلاثة مقيس... مصدره......... أي: كل فعل زاد على ثلاثة, فله مصدر مقيس لا يتوقف في استعماله على سماع. وقوله: كقدس التقديس. يعني: أن ما كان على فُعِّل صحيح اللام فمصدره تفعيل نحو: قدس تقديسا, كلم تكليما. وقوله: وزكه تزكية, يعني: أن ما كان فعّل معتل اللام فمصدره تفعلة نحو: زكى تزكية وغطى تغطية. وقوله: ............. وأجملا... إجمال من تجمُّلا تَجَملا يعني: أن مصدر أفعل الصحيح إفعال، نحو: أجمل إجمالا وأكرم إكراما، ومصدر تفعَّل تفعُّلا نحو تجمل تجملا. واستعذ استعاذة أصل استعاذ، استعوذ على وزن استفعل. قياس مصدره استعواذ، فأعلت الواو، فنقلت حركتها وقلبت ألفا، فاجتمع ألفان فحذفت إحداهما وهي الزائدة عند الخليل وسيبويه، وبدل العين عند الأخفش والفراء, فصار استعاذ ثم أتي بالتاء عوضا عن المحذوف. وقوله: ........ ثم أقم... إقامة....... أصل أقم أقوِم كأكرم, فقياس مصدره إقوام، فلما اعتلت الواو بالنقل والقلب اجتمع ألفان، فحذف أحدهما على الخلاف المتقدم, فصار إقاما, ثم أتي بالتاء عوضا عن المحذوف. وقوله: وغالبا ذا التا لزم أشار إلى أن التاء قد تحذف, كقول بعضهم: أراه إراء, واستقام استقاما. قال ابن عصفور: ولا يجوز حذفها إلا حيث ورد، وظاهر كلام سيبويه جوازه، قال: وإن شئت لم تعوض. وقال الفراء: لا يجوز إلا إذا كانت الإضافة عوضا من التاء نحو: "وإقام الصلاة". وقوله: وما يلي الآخر مُدَّ وافتحا... مع كسر تلو الثان مما افتُتحا بهمز وصل كاصطفى............................ يعني: أن صوغ المصدر من كل فعل مبدوء بهمزة وصل يكون بكسر ثالثه, وهو تلو الثاني وزيادة ألف قبل آخره نحو: اصطفى اصطفاء. فإن قلت: لا يفهم من قوله: "مد" أن المدة ألف. قلت: فهم ذلك من قوله: "وافتحا". وينبغي أن يقيد كلامه بألا يكون أصله تفاعل ولا تفعل نحو: اطّاير واطّير أصلهما: تطاير تطيّر، فإن مصدرهما لا يكسر ثالثه ولا يزاد ألف قبل آخره. وقوله: ..... وضم ما... يربع في أمثال قد تلملما يعني: أن مصدر تفعلَل تفعلُل -بضم رابعه- نحو: تلملَم تلملُما وتدحرج تدحرجا. وقوله: فعلال أو فعللة لفعللا........................ يعني: أن مصدر فعلل نحو: دحرج وما ألحق به نحو: جلبب وحوقل وبيطر يأتي على فعلال نحو دحراج, وعلى فَعلَلة نحو دحرجة، والمقيس منهما فعللة، ولذلك قال: واجعل مقيسا ثانيا لا أولا وكلاهما عند بعضهم مقيس، وهو ظاهر التسهيل، وكثر فعلال في المضاعف نحو الزلزال، وفتح أول الزلزال ونحوه من المضاعف جائز. قوله: لفاعل الفِعَال والمفاعله يعني: أن فاعل له مصدران: فِعال نحو خاصم خِصاما، ومفاعلة نحو: مخاصمة، واللازم له عند سيبويه المفاعلة، وقد يتركون الفعال ولا يتركون المفاعلة، وانفراد مفاعلة بما فاؤه ياء نحو: ياسر مياسرة، وندر الفعال في قولهم: ياومه مياومة، حكاه ابن سيده. وقوله: وغير ما مر السماع عادله أي: كان له عديلا، فلا يقدم عليه إلا بسماع، من ذلك مجيء المصدر المعتل اللام على تفعيل ونحو: وهي تنزي دلوها تنزيا ومجيء مصدر فعل الصحيح اللام على تفعلة نحو: تكرمة وتجربة، وغلب فيما لامه همزة نحو: خطأ تخطئة وهنأ تهنئة, وقد جاء مصدر فعل على فعال نحو: كلم كلاما. وقوله: وفَعْلة لمرة كجلسه... وفِعْلة لهيئة كجلسه يعني: أنه يدل على المرة في مصدر الثلاثي المجرد بإتيانه على فعلة -بفتح الفاء- وعلى الهيئة بفعلة -بكسر الفاء- وهو مقيد بألا يكون المصدر على فَعلة نحو: رحمة, أو فِعلة نحو: ذِرْبة, فلا يدل حينئذ على المرة أو الهيئة إلا بقرينة حالية أو وصف. وقوله: في غير ذي الثلاث بالتا المرة يعني: أنه يدل على المرة في مصدر غير الثلاثي زيادة التاء نحو: انطلق انطلاقة. تنبيهان: الأول: إنما تلحق التاء للدلالة على المرة في الأبنية المقيسة. والثاني: إن ذلك مقيد بأن يكون المصدر مجردا من التاء، فإن بني على التاء دل على المرة فيه بالقرينة لا بالتاء كما سبق في الثلاثي. وقوله: وشذ فيه هيئة كالخمره أي: شذ في غير الثلاثي صوغ فعلة للدلالة على الهيئة كقولهم: "هو حَسن العِمّة والقُمصة" و"هي حسنة الخمرة والنِّقبة" من تعمم وتقمص, واختمرت وانتقبت. تقدم حد اسم الفاعل, ويأتي حد الصفة المشبهة: كفاعل صغ اسم فاعل ذا... من ذي ثلاثة يكون كغذا شمل قوله: "من ذي ثلاثة" فَعَل المتعدي نحو ضرب فهو ضارب, واللازم نحو ذهب فهو ذاهب، وفَعِل المتعدي نحو علم فهو عالم, واللازم نحو سلم فهو سالم، وفَعُل نحو فَرُه فهو فاره، وليس نسبته إليها على السواء؛ فلهذا قال: وهو قليل في فعلت وفَعِل... غير معدى........ "يعني: أن فاعلا قليل في فَعُل -المضموم العين- وفَعِل -المكسور العين- غير المعدى", ففهم منه أنه كثير مقيس في فعل مطلقا، وفي فعل المتعدي. وقوله: بل قياسه فَعِل... وأَفْعَل فعلان يعني: أن قياس فعل اللازم أن يكون اسم فعله على أحد الأوزان الثلاثة، ففعِل للأعراض نحو أشر وفرح، وأفعل للألوان والخِلَق نحو أخضر وأجهر -وهو الذي لا يبصر في الشمس- وفَعْلان للامتلاء وحرارة البطن نحو ريان وصديان، وقد نبه على ذلك بالتمثيل. وقوله: وفعل أولى وفعيل بفَعُل يعني: أن هذين الوزنين أولى به من غيره نحو "ضخُم فهو ضَخْم وجَمُل فهو جميل", فإن قلت: فهل ينقاس عليهما؟ قلت: أما فعيل فمقيس، وقال في شرح التسهيل: ومن استعمل القياس فيهما لعدم السماع, فهو مصيب. وقول الشارح: الذي كثر في "استعمال" اسم الفاعل حتى كاد "يطرد" أن يجيء على فعل أو فعيل, يخالف قوله: وأفعل فيه قليل وفَعَل الضمير لفَعْل. مثال أفعل: أحرش المكان فهو أحرش، ومثال فعل: بطل فهو بطل، ولا يقاس عليهما لقلتهما. وبسوى الفاعل قد يغنى فَعَل أي: قد يستغني فعل -المفتوح العين- بمجيء اسم فاعله على غير فاعل نحو طاب فهو طيب, وشاخ فهو شيخ, وشاب فهو أشيب, وعف فهو عفيف، ولم يأتوا فيه بفاعل. فإن قلت: كيف يطلق على هذه الأوزان اسم فاعل، وإنما هي من الصفة المشبهة؟ قلت: يطلق اسم الفاعل في اللغة كثيرا, وفي الاصطلاح قليلا على كل وصف مشارك للفعل في مادة حروف الاشتقاق وتحمل ضمير الفاعل، وفي مشهور الاصطلاح على ما تقدم وحده في بابه. وقوله: وزنة المضارع اسم فاعل... من غير ذي الثلاث كالمواصل مع كسر متلو الأخير مطلقا... وضم ميم زائد قد سبقا بيّن بهذين البيتين كيفية بناء اسم الفاعل من كل فعل زائد على ثلاثة أحرف, وهو واضح. وقوله: "وزنة" هو خبر مقدم لقوله: "اسم فاعل", والتقدير: واسم الفاعل من غير ذي الثلاث زنة المضارع، وفهم من قوله: "مطلقا" أنه إذا كان مكسورا قدر كسره, فتكون الحركة غير الحركة. وقوله: وإن فتحت منه ما كان انكسر... صار اسم مفعول كمثل المنتظر فلا فرق بين اسم الفاعل, واسم المفعول فيما زاد على ثلاثة إلا بكسر ما قبل الأخير, وفتحه. وقوله: وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد... زنة مفعول كآت من قصد أي: كالمصوغ من قصد، فتقول: مقصود. وإذا كان الثلاثي لازما قيد مفعوله بالحرف الذي يتعدى به نحو: "ممرور به" ويعني بالثلاثي المتصرف. وقوله: وناب نقلا عنه ذو فَعِيل... نحو فتاة أو فتى كحيل أي: ناب ذو فعيل, يعني: صاحب هذا الوزن عن مفعول نقلا لا قياسا نحو: كحيل بمعنى مكحول، وقتيل وطريح وهو كثير. قال الشارح: وعلى كثرته لم يقس عليه بإجماع، وفي التسهيل: وليس مقيسا خلافا لبعضهم فنص على الخلاف, وقال في شرحه: وجعله بعضهم مقيسا فيما ليس له فعيل بمعنى فاعل، فقيد في الشرح وأطلق في الأصل. فإن قلت: فهل يعمل فعيل النائب عن مفعول عمل اسم المفعول؟ قلت: ذكر في التسهيل "أنه ينوب" في الدلالة لا العمل, فعلى هذا لا يقال: "مررت برجل كحيل عينه ولا قتيل أبوه" وقد أجازه ابن عصفور ويحتاج إلى سماع. فإن قلت: لِمَ قال: نحو فتاة أو فتى، فمثل بالمؤنث والمذكر؟ قلت: لينبه على أن "فعيل" بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. صفة استحسن جر فاعل... معنى بها المشبهة اسم الفاعل تتميز الصفة المشبهة عن اسم الفاعل باستحسان جر فاعلها بإضافتها إليه. نحو "حسن الوجه" وذلك خلاف اسم الفاعل، فإنه "لا يصلح لذلك". فإن قلت: يشعر قوله: "استحسن" بأن اسم الفاعل قد يضاف إلى فاعله، ولكنه ليس بمستحسن. قلت: قال الشارح: إن ذلك "لا يسوغ" في اسم الفاعل إلا إن أمن اللبس، فقد "يجوز" على ضعف وقلة في الكلام نحو: "كاتب الأب" تريد: كاتب أبوه، انتهى. وليس على إطلاقه بل نقول: إذا قصد ثبوت اسم الفاعل، فإن كان من غير متعد عُومل معاملة الصفة المشبهة. "وساغت" إضافته إلى ما هو فاعل في المعنى، فتقول: "زيد قائم الأب" -بالرفع والنصب والجر- على حد الحسن الوجه. وإن كان من متعد بحرف جر فكذلك عند الأخفش، وصححه ابن عصفور بدليل قولهم: "هو حديث عهد بوجع" ونقل المنع عن الجمهور. وإن كان من متعد إلى واحد فكذلك عند المصنف بشرط أمن اللبس وفاقا للفارسي، وذهب كثير إلى منعه، وفصّل قوم فقالوا: إن حذف مفعوله اقتصارا جاز وإلا فلا، وهو اختيار ابن عصفور وابن أبي الربيع والسماع يوافقه كقوله: ما الراحم القلب ظلاما وإن ظُلما وإن كان "متعديا" إلى أكثر من واحد لم يجز جعله كالصفة، قال بعضهم بغير خلاف. فإن قلت: لِمَ قال: فاعل معنى؟ قلت: لأنه لا تضاف الصفة إليه إلا بعد إسنادها إلى ضمير الموصوف, فلم يبق فاعلا إلا من جهة المعنى. وقوله: "المشبهة اسم فاعل" يجوز أن يكون مبتدأ وصفة خبره، وفي الكلام تقديم وتأخير، ويجوز أن يكون صفة مبتدأ، وإن كان نكرة لوصفه "والصفة المشبهة" خبره, والأول أظهر. فإن قلت: ما وجه الشبه بينها, وبين اسم الفاعل؟ قلت: من أوجه، أحدها: أنها تدل على حدث, ومن قام به. الثاني: أنها تؤنث وتذكر. الثالث: أنها تثنى وتجمع، وكان حقها ألا تعمل عمل فعلها؛ لأنها لا تجري على المضارع، ولا هي معدولة عن الجاري عليه، إلا أنها عملت لمشابهتها اسم الفاعل فيما ذكر. ثم اعلم أن بين اسم الفاعل والصفة المشبهة فروقا: الأول: أن الصفة المشبهة لا تكون إلا من فعل لازم بخلاف اسم الفاعل, فإنه يصاغ من المتعدي واللازم. وإلى هذا أشار بقوله: وصوغها من لازم. الثاني: أنها لا تكون للماضي المنقطع ولا لما لم يقع ولا "توجد" إلا للحاضر، وهو الأصل في باب الوصف؛ لأنها لم توضع لإفادة معنى الحدوث بل لنسبة الحدث إلى الموصوف به على جهة الثبوت بخلاف اسم الفاعل، فإنه كالفعل في إفادة معنى الحدوث والصلاحية لاستعماله بمعنى الماضي والحال والاستقبال؛ ولذلك إذا قصد باسم الفاعل الثبوت عُومِل معاملة الصفة المشبهة كما سبق، وإذا قصد بالصفة الحدوث حُوِّلت إلى بناء اسم الفاعل كقوله: وما أنا من رزء وإن جل جازع... ولا بسرور بعد موتك فارح وإلى هذا أشار بقوله: "لحاضر". تنبيه: قد تقدم مما ذكرناه أن كونها للحال ليس شرطا في عملها، ولكن وضعها كذلك؛ لكونها دالة على الثبوت من ضرورته الحال، فعبارته هنا أجود من قوله في الكافية: والاعتماد واقتضاء الحال... شرطان في تصحيح ذا الإعمال الثالث: أنها غير جارية على المضارع بخلاف اسم الفاعل. نص على ذلك الزمخشري وغيره، وهو ظاهر كلام أبي علي في الإيضاح، ورده المصنف وقال في التسهيل: وموازنتها للمضارع قليلة إن كانت من ثلاثي, ولازمة إن كانت من غيره. ولذلك مثل هنا "بطاهر القلب" وهو جارٍ على المضارع, و"بجميل الظاهر" وهو غير جارٍ تنبيها على "مجيئه" بالوجهين. ومثالها من غير الثلاثي منطلق اللسان, ومطمئن القلب. قلت: ولقائل أن يقول: إن ضامرا ومنطلقا ومنبسطا ونحوها مما جرى على المضارع أسماء فاعلين قصد بها الثبوت, فعوملت معاملة الصفة المشبهة، وليست بصفة مشبهة. فإن قلت: قد رد ما ذهب إليه من قال: إنها لا تكون جارية بكونهم متفقين على أن "شاحطا" في قوله: من صديق أو أخي ثقة... أو عدو شاحط دارا صفة مشبهة: قلت: إن صح الاتفاق فهو محمول على أن حكمه حكم الصفة المشبهة؛ لأنه قصد به الثبوت كما تقدم؛ فلذلك أطلق عليه صفة مشبهة. الرابع: أن معمولها لا يتقدم عليها؛ لضعفها بخلاف اسم الفاعل. الخامس: أن معمولها لا يكون إلا سببيا بخلاف اسم الفاعل، فإنه يعمل في السببي والأجنبي. والمراد بالسببي المتلبس بضمير صاحب الصفة لفظا, أو معنى. وإلى هذين أشار بقوله: وسبق ما تعمل فيه مجتنب... وكونه ذا سببية وجب فإن قلت: قد ذكر في التسهيل أن معمول الصفة المشبهة يكون ضميرا بارزا متصلا كقوله: حسن الوجه طلقه أنت في السلم... وفي الحرب كالح مكفهر ولا يطلق عليه سببي. قلت: إنما احترز بالسببي عن الأجنبي فإنها لا تعمل فيه، وأما عملها في الموصوف فلا إشكال فيه. وأما قوله: وعمل اسم فاعل المعدى... لها........... فيعني به أنها تنصب فاعلها في المعنى, كما ينصب اسم الفاعل مفعوله. فإن قلت: كيف قال: وعمل اسم فاعل المعدى لها وبينهما فرق، وهو أن معمول اسم الفاعل مفعول به ومعمولها مشبه بالمفعول، فعملهما إذًا مختلف؟ قلت: هو متحدّ صورة وهو المراد بقوله: على الحد الذي قد حُدَّا, يعني: أن عملها مشروط بالاعتماد, كما شرط ذلك في اسم الفاعل. فإن قلت: لِمَ أخر قوله: "وسبق ما تعمل فيه... البيت" عن قوله: وعمل اسم فاعل المعدى؟ وكان ينبغي العكس؛ لأن ذلك من تتمة الفروع. قلت: بيان شرط معمولها من "توابع عملها"؛ فلذلك أخره عنه. وقوله: فارفع بها وانصب وجر مع أل الرفع على الفاعلية والنصب على التشبيه بالمفعول به في المعرفة، وعلى التمييز في النكرة، وقيل: يجوز فيه أيضا التشبيه، وأجاز بعض البصريين كون المقرون بأل والمضاف إلى المقرون بها تمييزا وهي نزعة كوفية والجر على الإضافة، وهل هي من نصب أو رفع؟ قولان. وظاهر كلام المصنف أنها من رفع وإليه ذهب السهيلي، وذهب الشلوبين وأكثر أصحابنا كابن عصفور إلى أنها من المنصوب. وقوله: "ودون أل". يعني: أن الصفة المشبهة تعمل الرفع والنصب والجر في السببي مقرونة بأل, ومجردة منها. ثم قسّم معمولها إلى ثلاثة أقسام: الأول: معرف بأل، وإليه أشار بقوله: "مصحوب أل". والثاني: المضاف، وهو المراد بقوله: "وما اتصل بها مضافا". أي: وما اتصل بالصفة, ولم ينفصل عنها بأل. والثالث: المجرد من أل والإضافة. ثم اعلم أن المضاف أنواع: الأول: مضاف إلى ضمير الموصوف. الثاني: مضاف "إلى مضاف" إلى ضميره. والثالث: مضاف إلى المعرف بأل. والرابع: مضاف إلى المجرد. والخامس: مضاف إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف. ذكره في التسهيل ويحتاج إلى سماع. والسادس: مضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى، ذكره في شرح التسهيل. والسابع: مضاف إلى موصول. والثامن: مضاف إلى موصوف يشبهه. والمجرد من أل والإضافة يشمل ثلاثة أنواع: الموصول والموصوف وما سواهما، فجملة أنواع معمولها السببي أحد عشر نوعا وهذه أمثلتها على الترتيب: مثال مصحوب أل "الحسن الوجه", ومثال المضاف إلى ضمير الموصوف "الحسن وجهه", ومثال المضاف إلى المضاف إلى ضميره "الحسن وجه أبيه". ومثال المضاف إلى المجرد "الحسن وجه أب". ومثال المضاف إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف "مررت بامرأة حسن وجه جاريتها جميلة أنفه" فالأنف مضاف إلى ضمير الوجه والوجه مضاف إلى جارية والجارية مضاف إلى ضمير الموصوف. ومثال المضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى "مررت برجلٍ حسن الوجنة جميلٍ خالها" وهو تركيب نادر. وشاهده قول الشاعر: سبتني الفتاة البضة المتجرد الـ... لطيفة كشحه وما خلت أن أسبى ومثال المضاف إلى الموصول قوله: فعجتها قِبَل الأخيار منزلة... والطيبي كل ما التاثت به الأزر ومثال المضاف إلى الموصوف "رأيت رجلا حديدا سنان رمح يطعن به". ومثال الموصول قوله: وثيرات ما التفّتْ عليه المآزر ومثال الموصوف قوله: أزور امرأ جما نوال أعده... لمن أَمَّهُ مستكفيا أزمة الدهر وهذان القسمان غريبان: ومثال المجرد غيرهما "الحسن وجه". إذا تقرر هذا, فاعلم أن الصفة تعمل في السببي الرفع والنصب والجر مع أل ودون أل, فلها ستة أحوال. وكل منها على أحد عشر تقديرا في المعمول فهذه ست وستون صورة كلها جائزة إلا ما لزم منها إضافة ما فيه أل إلى الخالي من أل, ومن إضافة إلى المعرف بها أو إلى ضمير المعرف بها فيمتنع "الحسن وجهه" و"الحسن وجه أبيه" و"الحسن وجه أب" و"الحسن وجه" ونحوها. ويجوز نحو: "الحسن الوجه"؛ لأنه معرف بأل, و"الحسن وجه الأب"؛ لأنه مضاف إلي المعرف بها, و"الكريم الآباء الغامر جودهم"؛ لأن جودا مضاف إلى ضمير المقرون بها، ذكره في التسهيل. وإلى هذا أشار بقوله: ولا تجرُرْ بها, أي: الصفة، سُما. مع أل سما من أل خلا. أي: اسما خلا من أل "ومن إضافة لتاليها". وقوله: .......... وما... لم يخل فهو بالجواز وسما يعني: وما لم يخل من أل ومن إضافة لتاليها, فهو موسوم بالجواز. فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: أو من إضافة لمضمر المعرف بها, كما ذكره في التسهيل. قلت: إنما "تركه" هنا؛ لأنه تركيب نادر كما مر. تنبيهان: الأول: لم يتعرض المصنف لبيان أقسام الجائز، وهو ينقسم إلى قبيح وحسن ومتوسط. فالقبيح: ما عري عن الضمير، والحسن: ما كان فيه ضمير واحد، والمتوسط: ما تكرر فيه الضمير، إلا ما تقدم امتناعه، وقد بسطته في غير هذا المختصر. الثاني: ما ذكره من الحكم إنما هو النسبي، وقد تقدم أن معمول الصفة يكون ضميرا وعملها فيه جر بالإضافة إن باشرته وخلت من أل نحو: "مررت برجل حسن الوجهِ جميلِهِ", ونصب إن فُصلت أو قُرنت بأل, فالمفصولة نحو: "قريش بخباء الناس ذرية وكرامُهُموها". والمقرونة بأل نحو: "زيد الحسنُ الوجهِ الجميله".
|